جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لعدد من الدوائر المحلية بالإمارة مفاجأة لمسؤولي تلك الدوائر، وكانت مفاجأة سارة للجمهور. الزيارة حملت رسائل عدة أهمها تجديد الدماء وإزالة الترهل ومنح الفرصة للشباب لتولي زمام المسؤولية بعد صقل قدراتهم ومواهبهم وعدم منح الفرصة لتفشي الفساد الإداري والتربح الوظيفي، وذلك تماشياً مع حكومة المستقبل التي تتطلب فكراً جديداً ذكياً غير تقليدي وقيادات شابة بدماء جديدة، ومن الجميل أن يستقيل الفرد المقصر قبل أن يقال. ونحن لا نقصد من تمت إحالتهم إلى التقاعد، فهؤلاء بلا شك خدموا البلاد خلال فترة عملهم. صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عند توليه مسؤولية رئاسة الوزراء جعل الاهتمام بالشباب في أول اهتماماته، وصنع المؤسسات التي تنتج قيادات وكوادر مواطنة شابة مؤهلة لتولي المسؤولية في الصفين الأول والثاني. وخلال الزيارة كانت لدى سموه عدة رسائل أراد أن يقدمها للمجتمع والناس والموظفين، إذ جاءت الرسالة الأولى بإعلان نيته في التغيير وضخ دماء شابة، تأكيداً لمبدأ لكل مرحلة رجالها.. وأن هذه هي مرحلة الأجيال الشابة الصاعدة الواعدة التي يمكنها إحداث التغيير والتطوير، فبعد فترة من وجود كبار الموظفين في العمل يحدث لهم نوع من الثراء المالي والتشبع الوظيفي، وبالتالي تتوقف عقولهم عن العمل ويصبح الروتين واللا مبالاة سمة لسير العمل في تلك الدوائر، ما يؤثر ذلك على تطوير العمل، وينعكس سلباً على جودة الخدمات التي تقدَّم للجمهور. الرسالة الثانية التي أراد أن يؤكدها الشيخ محمد من التغييرات المستمرة أن الوظائف ليست بالتوريث ولكنها وظائف مرحلية تمر في دورات متعاقبة وعلى كل موظف أن يعطي كل طاقاته في دورته، وعليه أن يرحل من منصبه عندما يفقد القدرة على العطاء، فبقاء الإنسان في وظيفة معينة لفترة طويلة يولد شيئين كلاهما سيئ، الأول هو إصابة ذلك المسؤول بالبرود الإداري، والثاني أنه قد يفتح الباب أمام المسؤول للفساد إن رغب في ذلك، على شاكلة أن ركود الماء لفترة طويلة يأتي عليه «السنون». الرسالة الثالثة من زيارة سموه إلى الجهات الحكومية كان هدفها إعطاء موظفي تلك الدوائر وغيرهم درساً مهماً، وهو أن الاهتمام بخدمة الجمهور يجب أن يبدأ من أول ثانية من بدء الدوام الرسمي، فضلاً عن تعميق الشعور باحترام الوقت، والتخلص من هدر ساعات العمل هباء دون الاستفادة منها، فغياب الوعي باحترام قيمة الوقت لا تزال آفة كبرى يعاني منها الوطن العربي، فدبي تعيش حياة حديثة متطورة وسط تحديات أمنية واقتصادية صعبة تعيشها دول المنطقة العربية، وهذا ما يجعل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حريصاً على التطوير المستمر للإمارة والدفع بها نحو الأمام للمحافظة على مكتسباتها قوية وشابة. الرسالة الرابعة من الزيارة هي أن على المسؤولين والمديرين أن يهتموا بعمل إنجازات حقيقية لدوائرهم، وليس الاعتماد على تقديم استعراضات قائمة على توزيع الجوائز فقط على الجمهور، أي أنه لا بد أن يكون هناك رضا حقيقي عن جودة الخدمات التي يقدمها هؤلاء المديرين، لا أن يكون هدفهم تقديم عروض وجوائز استعراضية خاوية من النجاح الحقيقي. جود الشيخ محمد مع قيادات ومديري الدوائر غير محدود ويمنحهم امتيازات كبيرة.. والسؤال هنا: هل هؤلاء المديرون كرماء مع الجمهور، ويقدمون كل ما في جعبتهم من أجل تطوير العمل في دوائرهم وتقديم أفضل الخدمات للجمهور أم لا؟! دائماً ما تأتي جولات الشيخ محمد بن راشد تكتيكية ومعبرة عن المستقبل وتفعيل أدواته، ففي زيارته للدوائر الحكومية أخيراً لم يصطحب معه عدداً من وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية لتوثيق الجولة كما كان التقليد في السابق، ولكنه استطاع من خلال التفاعل بهاتف ذكي واحد أن ينقل الصورة الكاملة عن تلك الدوائر وما يدور فيها، وقد أشعلت هذه الزيارة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وتفاعل الناس مع ما بُثّ منها من لقطات تفاءلوا بها، وظلوا متابعين دقيقين ومترقبين بحذر ومتلهفين لأي أنباء تتعلق بنتائجها، وقد جاءت النتائج بما تشتهيه سفن المغردين.